سورة التوبة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله تعالى: {انفروا خفافاً وثقالاً} سبب نزولها أن المقداد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عظيماً سميناً، فشكا إليه وسأله أن يأذن له، فنزلت هذه الآية، قاله السدي. وفي معنى {خفافاً وثقالاً} أحد عشر قولاً.
أحدها: شيوخاً وشباباً، رواه أنس عن أبي طلحة، وبه قال الحسن، والشعبي، وعكرمة، ومجاهد، وأبو صالح، وشَمْرُ بن عطية، وابن زيد في آخرين.
والثاني: رجّالةً وركباناً، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الأوزاعي.
والثالث: نِشاطاً وغير نِشاط، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، ومقاتل.
والرابع: أغنياء وفقراء، روي عن ابن عباس. ثم في معنى هذا الوجه قولان. أحدهما: أن الخفاف: ذوو العسرة وقلَّة العيال، والثقال: ذوو العيال والميسرة، قاله الفراء. والثاني: أن الخفاف: أهل الميسرة والثقال: أهل العسرة، حكي عن الزجاج.
والخامس: ذوي عيال، وغير عيال. قاله زيد بن أسلم.
والسادس: ذوي ضياع، وغير ذوي ضياع، قاله ابن زيد.
والسابع: ذوي أشغال، وغير ذوي أشغال، قاله الحكم.
والثامن: أصحَّاء، ومرضى قاله مرة الهمداني، وجويبر.
والتاسع: عزَّاباً، ومتأهِّلين، قاله يمان بن رياب.
والعاشر: خفافاً إلى الطاعة، وثقالاً عن المخالفة، ذكره الماوردي.
والحادي عشر: خفافاً من السلاح، وثقالاً بالاستكثار منه، ذكره الثعلبي.
فصل:
روى عطاء الخراساني عن ابن عباس ان هذه الآية منسوخة بقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافَّة} [التوبة: 122] وقال السدي: نسخت بقوله: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى} [التوبة: 91].
قوله تعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم} قال القاضي أبو يعلى: أوجب الجهاد بالمال والنفس جميعاً، فمن كان له مال وهو مريض أو مقعد أو ضعيف لا يصلح للقتال، فعليه الجهاد بماله، بأن يعطيه غيره فيغزو به، كما يلزمه الجهاد بنفسه إذا كان قوياً. وإن كان له مال وقوَّة، فعليه الجهاد بالنفس والمال. ومن كان معدماً عاجزاً، فعليه الجهاد بالنصح لله ورسوله، لقوله: {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله} [التوبة: 91].
قوله تعالى: {ذلكم خير لكم} فيه قولان:
أحدهما: ذلكم خير الجهاد لكم من تركه والتثاقل عنه.
والثاني: ذلكم الجهاد خير حاصل لكم {إن كنتم تعلمون} مالكم من الثواب.


قوله تعالى: {لو كان عرضاً قريباً} قال المفسرون: نزلت في المنافقين الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك. ومعنى الآية: لو كان ما دُعوا إليه عَرَضاً قريباً. والعرض: كلُّ ما عرض لك من منافع الدنيا، فالمعنى: لو كانت غنيمةً قريبة، أو كان سفراً قاصداً، أي: سهلاً قريباً لاتَّبعوك طمعاً في المال {ولكن بَعُدَتْ عليهم الشُّقَّةُ} قال ابن قتيبة: الشقة: السفر؛ وقال الزجاج الشقة: الغاية التي تقصد؛ وقال ابن فارس: الشقة: مصير إلى أرض بعيدة، تقول: شق شاقّة.
قوله تعالى: {وسيحلفون بالله} يعني: المنافقين إذا رجعتم إليهم {لو استطعنا} وقرأ زائدة عن الأعمش، والأصمعي عن نافع: {لوُ استطعنا} بضم الواو وكذا أين وقع، مثل: {لوُ اطَّلعتَ عليهم} [الكهف: 18]، كأنه لما احتيج إلى حركة الواو، حركت بالضم لأنها أخت الواو، والمعنى: لو قدرنا وكان لنا سَعَةٌ في المال. {يهلكون أنفسهم} بالكذب والنفاق {والله يعلم إنهم لكاذبون} لأنهم كانوا: أغنياء ولم يخرجوا.


قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} كان صلى الله عليه وسلم قد أذن لقوم من المنافقين في التخلُّف لمَّا خرج إلى تبوك، قال ابن عباس: ولم يكن يومئذ يعرف المنافقين. قال عمرو بن ميمون: اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من الأسارى؛ فعاتبه الله كما تسمعون. قال مورِّق: عاتبه ربُّه بهذا. وقال سفيان بن عيينة: انظر إلى هذا اللطف، بدأه بالعفو قبل أن يعيِّره بالذَّنْب. وقال ابن الأنباري: لم يخاطَب بهذا لجرم أجرمه، لكنَّ الله وقَّره ورفع من شأنه حين افتتح الكلام بقوله: {عفا الله عنك} كما يقول الرجل لمخاطبه إذا كان كريماً عليه: عفا الله عنك، ما صنعت في حاجتي؟ ورضي الله عنك هلاَّ زرتني.
قوله تعالى: {حتى يتبيَّن لك الذين صدقوا} فيه قولان:
أحدهما: أن معناه: حتى تعرف ذوي العذر في التخلُّف ممن لا عذر له.
والثاني: لو لم تأذن لهم، لقعدوا وبان لك كذبهم في اعتذارهم. قال قتادة: ثم إن الله تعالى نسخ هذه الآية بقوله: {فائذن لمن شئتَ منهم} [النور: 62].

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14